التركيز على الأفراد: لأن المشاريع لا تُنجز وحدها المبدأ الاول من دليل PMBOK

التركيز على الأفراد: لأن المشاريع لا تُنجز وحدها

في رحلة إدارة المشاريع، قد يخدعنا بريق الأدوات والتقنيات والمنهجيات الصارمة، فنظن أنها وحدها تكفي لتحقيق النجاح. لكن الحقيقة التي لا يعترف بها كثيرون هي أن الإنسان هو الجوهر. التركيز على الأفراد: لأن المشاريع لا تُنجز وحدها. لا يمكن لأي مشروع أن ينجز، أو أي خطة أن تُفعل، أو أي جدول أن يتحقق، دون أن يكون هناك فريق بشري حي خلف كل خطوة.

جاء الإصدار السابع من

دليل PMBOK ليعيد ترتيب الأولويات، ويضع “التركيز على الأفراد” كمبدأ أول في قائمة المبادئ الـ12 التي يجب أن تُبنى عليها كل ممارسات إدارة المشاريع. وهذا لم يكن صدفة.

لماذا التركيز على الأفراد؟

لأن المشاريع لا تُدار فقط عبر الجداول الزمنية والتقارير، بل عبر العلاقات، والحوارات، والثقة، والاحترام المتبادل. الأفراد هم من يحلّلون المخاطر، ويتّخذون القرار في لحظات الشك، ويُطفئون الحرائق قبل أن تشتعل، أو أحيانًا، يشعلونها إن لم يتم الاعتناء بهم!

حين يشعر الموظف بأنه مجرد ترس في آلة، يتحرك فقط عند الأوامر، يتحول المشروع إلى بيئة خالية من المبادرة. أما حين يشعر بأنه مُقدَّر، فإن ولاءه يرتفع، وإبداعه يزدهر، واستعداده للتضحية يتضاعف.

كيف نُطبّق هذا المبدأ عمليًا؟

التركيز على الأفراد لا يعني فقط الحديث التحفيزي أو توزيع شهادات الشكر. بل يبدأ من العمق:

• بناء الثقة: أعطِ أعضاء الفريق الحرية، وستفاجئك النتائج.
• الاستماع الحقيقي: ليس المهم أن ترد، بل أن تُنصت بنية الفهم.
• تقدير الفروق الفردية: لا تتوقع من الجميع أن يعمل بطريقتك.
• الاعتراف بالجهد: الكلمة الطيبة قد تعادل مكافأة مالية.
• توفير الأمان النفسي: ليشعر الجميع أن الخطأ ليس نهاية المطاف.

مواقف من الواقع

في أحد المشاريع التي أشرفتُ عليها، كانت هناك موظفة هادئة لا تتحدث كثيرًا، لكنها كانت دقيقة الملاحظة. حين خصصنا لها مساحة لتقترح، خرجت بأفكار قلّصت التكاليف بنسبة 12٪. لم يكن الأمر سحرًا، بل فقط فرصة للظهور.

وفي موقف آخر، كاد أحد المهندسين أن يستقيل بسبب تجاهل آرائه من قبل الإدارة. ما أن بدأنا جلسات مراجعة أسبوعية يُسأل فيها كل فرد عن رأيه، حتى عاد الحماس إلى الفريق، وتراجعت النية بالاستقالة.

الفريق ليس أداة… الفريق هو المشروع

إننا بحاجة لإعادة تعريف كلمة “موارد بشرية”. الأفراد ليسوا موارد تُستهلك ثم تُستبدل. بل هم الشركاء الحقيقيون في البناء، والوقود العاطفي والذهني الذي يدفع عجلة المشروع للأمام.

المبدأ الأول في إدارة المشاريع لا يقول لك فقط “اهتم بالناس”، بل يقول: “كل ما تفعله، افعله من خلال الناس، ومع الناس، ومن أجل الناس.”

خاتمة

من أراد أن ينجز مشروعًا يُنسى، فليُركّز على الأدوات. ومن أراد أن ينجز مشروعًا يُخلّد، فليبدأ بالإنسان. فكل جدول زمني قابل للتعديل، وكل تقنية قابلة للتغيير، لكن الإنسان، حين يُكسر، لا يُصلَح بسهولة.

الناس أولًا… هذا ليس شعارًا تنظيريًا، بل بوابة إلى مشروع يعيش، ويتنفس، وينجح.