عوامل الهدر في الإدارة الرشيقة
عندما نذكر مصطلح “الهدر” ربما أول ما يتبادر إلى الذهن هو الهدر في الإنتاج، بالفعل فإن هدر الإنتاج يشكل أشيع عوامل الهدر وأشكاله في واقعنا العملي، لكن كما بيننا سابقاً الأوجه المتعددة التي يمكن ان يحصل فيها هدر خلال عمليات إدارة المشروع، و بالطبع فإن المنتج الخاطئ او غير المطابق للمواصفات و المعايير الموضوعة من قبل العميل يعتبر شكلاً مهماً و شائعاً للهدر، و قد تحدثنا عنه باستفاضة و أدرجناه ضمن الأشكال الثمانية الكبرى للهدر.
مشاكل الإنتاج أهم عوامل الهدر
شكل آخر مهم للهدر الحاصل بعملية الإنتاج، هو ضعف أو قلة الإنتاج، و التي يمكن أن تحصل لأسباب عديدة لكنها في النهاية تعبر عن عدم كفاءة المشروع و الفشل في تلبية طلبات العميل، كأن يكون الاتفاق على إنتاج ألف قطعة من منتج معين، و نتيجة ظروف معينة خلال دورة حياة المشروع أدت إلى الحصول على مخرج نهائي هو 800 منتج مثلاً، هنا قد حصل ضياع في الموارد و الوقت و الجهد دون النجاح بتأمين طلبية العميل.
العديد من الأخطاء و الأمور التي قد تحدث خلال سير العمل يمكن أن تؤدي إلى ضعف الإنتاج و القصور عن الوصول إلى الهدف الموضوع للمشروع، و بالطبع فإن انخفاض الانتاج يمكن أن يحدث لأسباب مقصودة او غير مقصودة من قبل فريق العمل، تبدأ هذه الأسباب من التخطيط غير الدقيق و وضع الجداول الزمنية دون دراسة عميقة مما يؤدي بالنهاية الى الخروج عنها و الفشل بتسليم الطلب كما هو متفق عليه، ضغط الوقت خلال سير المشروع نتيجة الظروف الطارئة التي يمكن ان تحصل و يمكن ان يؤدي أيضاً إلى قصور الإنتاج، كلنا ندرك ان العمل تحت الضغط يمكن ان يولد الفوضى التي ستؤدي حتمياً إلى ضعف الأداء بالتالي قلة الإنتاج أو ضعف معايير المنتج المصنع وهذه الحالات هي أهم وأخطر عوامل الهدر الحاصل في المشاريع، الدراسة غير الدقيقة للموارد المتاحة للمشروع يمكن أن يضعك أيضاً أمام حالة استنزاف الموارد و انتهائها دون ان تكون قد وصلت إلى هدف الإنتاج. بالطبع فإن قلة خبرة فريق العمل أو نقص كفاءة الفريق أو الآلات أو الأدوات الضرورية لعملية الإنتاج من الممكن ان يؤدي الى الهدر و الفشل بتأمين الإنتاج الكافي حسب ما هو مخطط له.
اختبار المنتج المصنع بشكل متكرر خلال عملية إنتاجه يعتبر أمراً ضرورياً من وجهة نظر الإدارة الرشيقة، كمشرف للمشروع عليك ألا تنتظر حتى يكتمل تصنيع المنتج ثم تقوم بمعاينته و اختباره للتأكد من مطابقته للمعايير و المقاييس الموضوعة من قبل العميل، ففي حال ضعف المنتج أو مخالفته للمواصفات المتفق عليها ستضطر إلى إعادة العمل من جديد بكامل خطواته، هذا يشكل هدراً كبيراً للموارد من المال و الوقت و الجهد و قد يؤدي الى التأخر عن الموعد النهائي المحدد لتسليم المشروع.
لتجنب حصول ذلك و ما يترتب عليه من خسائر و أضرار يمكن اعتماد سياسة الاختبارات المتكررة و المراقبة الدقيقة لعملية تصنيع المنتج لكشف الأخطاء و العيوب حال حصولها و معالجتها بسرعة و فعالية دون الحاجة لإعادة تصنيع المنتج منذ البداية بل يكفي إصلاح الخلل الحاصل في مرحلة معينة و إعادتها.
قلة الاختبارات و عدم فحص المنتج بشكل دوري و منتظم يمكن ان تؤدي إلى عيوب في المنتج قد لا يتم الانتباه إليها من قبل فريق العمل، و بالتالي سيقوم العميل برفض المنتج مما يعتبر فشلاً للمشروع و خسارة للموارد التي تم هدرها دون تحقيق الهدف المطلوب، وهذا من عوامل الهدر الهامة التي ركزت عليها Agile.
العمل المفرط كأحد عوامل الهدر
مما رأيناه في حديثنا عن الهدر في الإدارة الرشيقة بان نقص العمل او الإنتاج أو عدم فعاليته او حدوث العيوب و الاخطاء في العمل تعتبر من عوامل الهدر الأكثر شيوعاً، على الجهة الأخرى فإن العمل الزائد قد يسبب هدراً في المشروع! كيف ذلك؟ حسناً ببساطة فإن الإدارة الرشيقة ترى أن لكل عنصر من عناصر المشروع حداً معيناً يجب العمل به و أي زيادة او نقصان عن هذا الحد بشكل غير مدروس يمكن أن تؤدي في النهاية الى حدوث الهدر.
العمل المفرط الذي لا حاجة له في سياق الهدر الإداري هو قيام مشرف المشروع أو أفراد الفريق بالكثير من العمل الزائد على مهام قد اقتربت من اكتمالها، يشمل ذلك بذل الجهد، الوقت، الانتباه، و العناية المفرطة بأمور و أنشطة تسير بشكل صحيح في طريقها نحو النهاية بنجاح، أي أن القيام بأي جهد غير ضروري لاكتمال المهمة يعتبر هدراً لا داع له، يمكن أن يحدث العمل المفرط الزائد عن الحاجة كشكل من أشكال الهدر نتيجة عدة أسباب منها قلة الخبرة او الخوف من الفشل أو غير ذلك من الأسباب، الثقة بالنفس و السير حسب الخطة الموضوعة و الاكتفاء بمراقبة النتائج هو الحل لتجنب هذا الشكل من الهدر في المشروع.
البحث عن المثالية عامل من عوامل الهدر!
من ناحية أخرى و بشكل مشابه للعمل المفرط، فإن البحث عن المثالية يمكن أن يملك مضاراً أكثر من الفوائد، المثالية يمكن في الحقيقة أن تكون من عوامل الهدر حيث يمكن أن تقود المشرف أو الفريق الى حصول الهدر دون أن ينتبهوا الى ذلك، كأن تكون مشرفاً لمشروع ما و قد اكتملت مرحلة من مراحله بنجاح، و كانت نتائج و قياسات هذه المرحلة جيدة و حسب المعايير المطلوبة من قبل العميل، لكنك ترفض هذه النتائج و تطالب بالأفضل لأسباب شخصية بشكل كامل رغم مطابقة العمل للمعايير المتفق عليها إلا أنك تشعر أنك لم تقم بالعمل على الوجه الأفضل، فهنا أنت تبحث عن المثالية، و بالنهاية من الممكن ان تقوم بإعادة العمل من جديد مما يعني هدراً و ضياعاً للموارد و المال و جهد الفريق دون أي داع لذلك، طالما نتائجك جيدة و مطابقة للهدف عليك بالاستمرار فقط!
بالطبع بحال كنت مشرفاً على مشروع ما فإنك ستعمل بكل جهدك و طاقتك أن تكون مخرجات المشروع تطابق الهدف المخطط له و أن يكون سير العمل خالياً من الأخطاء قدر الإمكان، حدوث الأخطاء يمكن أن يشكل هدراً مهماً لموارد المشروع مما يتطلبه ذلك لاحقاً من معالجة للخطأ و حد من الأضرار، لكن المثالية و العمل المفرط تشكل مصدراً أخطر لهدر أكبر، لأنك إذا أعدت العمل كاملاً عندما تبحث عن المثالية ستقوم بهدر موارد أكثر مما لو حدث خطأ ما على الرغم من أن عملك جيد و حسب المطلوب، و حين تركز على مهمة معينة ستكتمل دون الحاجة للعمل الزائد و الانتباه غير الضروري لها ستقصر في المهمة التالية لأنك تتبع جدولاً زمنياً معيناً، هذا سيولد الأخطاء، و الأخطاء تعني الهدر.
امتلاك الفكر الإداري الرشيق يعني ان تفكر، تخطط، تعمل و تراقب بمرونة وسلاسة و تكون قادراً على ضبط العمل بفعالية و كفاءة، المراقبة اللصيقة لنتائج المشروع بشكل مستمر و اختبار المنتج بشكل دوري و البحث عن نصيحة الخبراء و قياس الأداء على أرض الواقع هي بعض السلوكيات التي يمكن اعتمادها للابتعاد عن العمل المفرط بغير موقعه و البحث عن المثالية دون داع لذلك.
مشاكل البيانات
نتفق جميعاً على الأهمية الكبيرة للبيانات عند اتخاذ القرار ببدء مشروع ما، جمع البيانات و دراستها و تحليلها ثم توثيقها هي الخطوة الأولى في أي مشروع، و هذه البيانات تشكل المادة الخام التي سيتم وضع الخطط و التحرك بناء عليها و على ما تقدمه من معلومات و تفاصيل ستساعد فريق العمل بتوقع و تخطيط سير المشروع بنجاح و دقة، لكن حين يتم جمعها وتحليلها بطريقة خاطئة ستتحول إلى عامل مهم وربما خطير من عوامل الهدر الإداري.
عملية توثيق البيانات الخاصة بالمشروع هي تسجيل و توثيق البيانات الخاصة بمختلف عناصر المشروع من جداول زمنية و عمليات و إنجازات و أداء و المهمات و الأنشطة التي يتكون منها المشروع، تقدم هذه العملية مساراً لمشرف المشروع يمكنه اعتماده خلال سير المشروع الرشيق و التخطيط للمرحلة اللاحقة بالاعتماد على دراسة بيانات المراحل التي تم الانتهاء منها بالإضافة إلى أنها تمثل تصوراً عن وضع المشروع و التقدم فيه، لذلك فإن الخطأ أو قلة الدقة في عملية توثيق بيانات المشروع يمكن أن تؤدي إلى حدوث الأخطاء و المشاكل و هذا ما يؤدي حتمياً إلى هدر الموارد.
قلة توثيق البيانات و عدم متابعتها بشكل مستمر خلال دورة حياة المشروع يمكن أن يؤدي إلى نقص البيانات و المعلومات التي سيعتمد عليها مشرف المشروع في بناء خطته التالية، فحين تعمل مع معلومات قليلة يكون احتمال الخطأ أكبر، مما قد يؤدي إلى حدوث بعض الأخطاء التي تسبب مشاكل للمشروع يجب حلها و بالتالي صرف الوقت و الجهد و الموارد، و كان بالإمكان تجنب هذه الأخطاء التي ادت الى الهدر عبر الاهتمام بشكل أكبر بعملية التوثيق، من جانب آخر فإن الإفراط في عملية توثيق البيانات يعتبر ضاراً أيضاً، بالبداية سيتم صرف الكثير من الوقت و الجهد و البحث من اجل توثيق بيانات لا يحتاجها المشروع و يمكن إتمام العمل دون اللجوء إليها، أيضاً فإن توثيق البيانات غير الضرورية لإنجاز المشروع بنجاح يمكن أن يسبب الأخطاء، بسبب صعوبة التعامل مع الكم الكبير من البيانات و ربما يحدث أن يصرف المشرف نظره عن البيانات الهامة و يقوم بتوثق بيانات لا تشكل ضرورة للعمل.
أسباب خارجة عن إرادتك
حسنا لنفترض أنك قمت بكل شيء كما ينبغي وقمت بتجنب الأخطاء التي كان من الممكن أن تسبب هدراً في مشروعك، لكن حين تسليم المشروع بعد أن تم إنهاؤه واجهك موقف لم تكن تتوقعه، حيث تم رفض العمل! عندما يقرر المعنيون أو أصحاب المشروع رفض العمل بعد اكتمال إنجازه على الرغم من أن مخرجات المشروع تتفق مع المعايير المطلوبة والمحددة منذ البداية، فإن هذا يشكل هدراً كبيراً حيث ستضطر أن تقوم بإعادة العمل منذ البداية صرف الموارد والمال والجهد والوقت دون أي داع لأن المشروع كان بالإمكان أن يتم الموافقة عليه. يمكننا أن نقول أن عملية قبول المشروع واستلامه من قبل صاحب المشروع أو العميل ليس بالعملية الموضوعية دائما، حيث قد يخطئ العميل في تقييم المشروع مما يؤدي إلى رفضه وضياع جهود ووقت فريق المشروع وموارد المنظمة، يمكن حل هذا النوع من المشاكل بالمناقشة مع العميل وإجراء المفاوضات لتجنب ضياع الإنجاز والجهد والمال الذي تم صرفه ومحاولة إقناعه بقبول استلام المنتج أو مخرجات المشروع باعتبارها تتفق مع المواصفات التي طلبها وتحقق له أهدافه، يمكن بذلك تجنب الهدر الضخم الذي سينتج عن إعادة تنفيذ المشروع.
الحد من الهدر
على الرغم أن الهدر يعتبر أمراً واردا في أي مشروع، لكن من وجهة نظر الإدارة الرشيقة فإن على مشرف المشروع أن ينتبه إلى هذا الأمر بدقة ويراقب سير العمليات وأن يقوم بتحديد أي هدر متوقع لإنشاء الخطة وتعديل سير العمل بهدف تجنب حدوثه، واكتشاف أي هدر حاصل لتحديد المقاربة الأفضل لعلاجه وتقليل الأضرار الناجمة عنه وتعويض الهدر الحاصل في الخطوات والعمليات القادمة من المشروع، بالإضافة إلى تعريف فريق العمل بالهدر الذي حدث وموقعه ووقته وسببه ليكون الفريق قادراً على تلاقي حدوث مثل هذا الهدر مستقبلاً وتعديل سلوكياتهم وخططهم حسب ذلك.
كل هدر يحصل خلال دورة حياة المشروع يتطلب مقاربة محددة وخاصة بنوع هذا الهدر وموقع حدوثه، وبشكل طبيعي فإن خطة معالجة هدر الوقت تختلف عن تلك الخاصة ب الهدر المالي، ومن خلال ما اطلعنا عليه من أنواع وأشكال الهدر يمكن أن تتشكل لدينا فكرة جيدة عن طريقة معالجة أي شكل من أشكال الهدر عبر فهمه وتعرف طرق واحتمالات حدوثه، فمعرفة وتوقع الخطأ يشكل نصف الحل.
تنظر الإدارة الرشيقة إلى الهدر على أنه عنصر هام من عناصر إدارة المخاطر في المشروع، يجب مراقبته والاهتمام به، والأهم هو تعليم الأفراد والمشرفين ومختلف عناصر الفريق الرشيق كيفية التعامل مع الهدر حين حصوله والأهم هو الوقاية منه عبر ترسيخ الفكر والأسلوب الرشيق في العمل.